حفنات من الطحين وبعض الماء وقليل من الملح تكفي لصنع العجين تمهيدا لخبزه في فرن المنزل لتشيع معه اجواء الحنين الى خبز الام كما تغنى الشاعر ذات يوم .
ومع انتشار المخابز في المملكة وارتفاع سعر الطحين غير المدعوم وتقاعس ربات البيوت فان معظم بيوتنا تفتقد ومنذ سنوات ليست بالقليلة للخبز المنزلي ذي الطعم المختلف ، كما تقول فاطمة لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) .
وتضيف: قاربت على الستين من عمري ، وما زلت افضل شراء القمح بالكيلوغرام , انقيه من الشوائب واغسله وآخذه الى المطحنة وبعد ذلك اعجنه واخبزه في البيت مشيرة الى سعادتها التي لا تقدر بثمن عندما ترى نتاجها البسيط المتمثل بخبز القمح على مائدتها وبين يدي افراد اسرتها. لا يزال الباحث الشعبي نايف النوايسة يستذكر الحركات الطريفة والاتقان في عملية رق العجين من قبل نمر , ذاك (الفران) الذي اتى من فلسطين اواخر الخمسينيات من القرن الماضي للعمل في قرية المزار الجنوبي بمحافظة الكرك .
ويستذكر كذلك اللحظات الجميلة التي كان يشاهد فيها ارغفة الخبز التي (تتحمّر) على النار، اضافة الى لقائه واقرانه في ذلك الوقت والذي كان يتم اولا في المدرسة، وثانيا في الفرن من اجل مشاهدة حركات نمر في طريقة رقه للعجين وخبزه .
ارقام دائرة الاحصاءات العامة المتعلقة بمسح نفقات ودخل الاسرة لعام 2010 في المملكة تشير الى ان متوسط استهلاك الفرد من مادة خبز القمح البلدي في العاصمة بلغ (كيلو و600 غرام) ، وان متوسط استهلاكه من خبز الطحين الابيض في مادبا والذي اعتبر الاعلى وصل الى 172 كيلوغراما ، والعاصمة الاقل استهلاكا حيث بلغ 105 كيلو غرامات للفرد لهذا النوع من الخبز .
ويبين المسح ان متوسط استهلاك الفرد من الانواع الاخرى من الخبز في العاصمة قارب الاربعة كيلو غرامات ، ومتوسط استهلاك الفرد في جرش كان الاقل حيث وصل الى ثلث كيلو.
رئيس نقابة اصحاب المخابز عبد الاله الحموي يقول ان استهلاك المملكة من الخبز يعتمد بشكل مباشر على مشتريات الاردن من القمح التي تصل الى 750 الف طن سنويا يخرج منها 25 بالمئة نخالة مبينا ان 480 الف طن من هذه المشتريات يخصص للطحين المدعوم للخبز العربي، والباقي للطحين الذي يباع بالسعر غير المدعوم والذي ينتج منه الكعك والحلويات والخبز الافرنجي .
وبحسب الحموي فان انواع الخبز التي تنتج تشمل الخبز العربي كالمشروح والمنقوش والطابون والكماج (الصغير والكبير) الى جانب خبز الحمام والفرنسي (الباجت) .
وبلغ مجموع انفاق الأسر في المملكة على خبز القمح البلدي وفقا لمسح الاحصاءات العامة للعام 2010 اكثر من مليون و 800 الف دينار ، مقابل 140 مليونا و700 الف دينار تقريبا لخبز الطحين الابيض ، وقدر مجموع انفاق الاسر على الخبز من الانواع الاخرى بأكثر من 7 ملايين دينار .
وجاءت العاصمة في المرتبة الاولى في مجموع انفاق الأسر في المملكة على خبز القمح حيث بلغت خلال فترة المسح مليون دينار ، فيما لم يسجل المسح أي انفاق للاسر على هذا الخبز بمحافظة الطفيلة ، وفيما يتعلق بخبز الطحين الابيض فان الاسر في العاصمة انفقت اكثر من 52 مليون دينار، ومحافظة الطفيلة كانت في المرتبة الاخيرة بحجم انفاق وصل الى حوالي مليون و800 الف دينار , اما مجموع انفاق الأسر على الخبز من الانواع الاخرى فكانت العاصمة هي الاعلى ، ومحافظة جرش الاقل انفاقا بمبلغ قدره 26 الف دينار .
ويصف النوايسة في كتاباته التي توثق الموروث الشعبي الخبز بانه مؤسسة، لتعدد عمليات اعداده ومراحل انتاجه بدءا من الطحن وحتى وضعه على المائدة .
وفي الذاكرة الشعبية يبين ان هناك خمسة انواع من الخبز هي الطابون والشراك والتنور وخبز الفرن وقرص النار أو ما يطلق عليه ( الملّة)، مشيرا الى ان الطابون عبارة عن وعاء فخاري مخلوط مع التبن، وان اول دفعة (خبزة) منه تكون للخبز المخصص للاكل أي (التغميس) ، والاخرى للخبز (العويص) الذي يكون من اجل (الفت) بدلا من الارز.
وفيما يتعلق بالشراك يقول انه يتم خبزه على الصاج ، وانه كلما كانت قطعة خبز الشراك (الشراكة) رقيقة , فانها تدل على حسن صنعها من قبل ربة البيت ، في حين ان خبز التنور يرتبط بالمكان او الاداة التي يخبز فيها مثل خبز المشروح الذي تختص به بلاد الشام، اضافة الى خبز الافران الحديثة المنتشر حاليا.
اما قرص النار فيكون اثناء رعي الاغنام ويتم وضعه على الجمر ومن ثم يدفن في التراب بعد ان يرش بالطحين ويستخدم (للفت) بحسب النوايسة.
ويشير نقيب اصحاب المخابز الى اقدم مخبز في عمان وهو (مخبز السعادة) الذي انشأه والده في العام 1920 ، وكانت اجرة المخبز انذاك 200 جنيه فلسطيني سنويا بالاضافة الى (خبيز) عجينة صاحب الملك (المؤجر) واخيه مجانا طوال فترة العقد.
ويقول : ما زال الفرن موجودا في المكان ذاته وان صاحب العمارة التي يوجد فيها الفرن اوصى ابناءه بالابقاء عليه لخيره الكثير الذي جناه بعد افتتاحه لافتا الى انه فيما بعد تم اللجوء لفتوى شرعية لتغيير صفة استعمال المكان نظرا للتوسع في وسط المدينة حيث تقرر ان يبقى الفرن موجودا ، لكن مع تغطيته بحيث لا يكون ظاهرا للعيان.
ويشير مدرس مواد الحلويات والخبز في الاكاديمية الملكية لفنون الطهي الشيف احمد سمور الى ظهور انواع واشكال جديدة من الخبز بالاعتماد على المكونات الرئيسية كطحين القمح والماء والملح والخميرة التي لا نستطيع الاستغناء عنها في كل انواع الخبز الحديث كخبز البرغر والحمام والباجت الفرنسي.
ويوضح ان طحين القمح يدخل في كل انواع الخبز، ولا نستطيع الاستغناء عنه لانه الوحيد من بين الحبوب الذي يحتوي على مادة الجلوتن (بروتين) التي توفر للعجين الليونة وللخبز التماسك، وان نسبة الجلوتن في الخبز يجب ان تكون حوالي 14 بالمئة مشيرا الى عدم التزام مطاحن في المملكة بوضع نسبة الجلوتن على منتجاتها من الطحين الذي يباع في الاسواق.
ويبين سمور اننا من اجل انتاج خبز طري ومحسن نستخدم ما نسميه بالمطريات باضافة نسب مختلفة من الحليب وزيت القلي والبيض او مُحسن طحين يحتوي على انزيمات وظيفتها تحويل الطحين الى سكر ما يسرع عملية التخمير، وبالتالي المحافظة على جودة الخبز لمدة ثلاثة ايام.
وتتعدد انواع هذا الخبز، كالخبز الفرنسي (الباجت) الذي يعد الاكثر انتشارا في اوروبا وخبز النخالة او الحنطة والخبز الغني بالحبوب: كبذور الكتان والذرة والقمح المكسر والشوفان.
وتاريخيا، فان المصريين هم اول من عرفوا وصنعوا الخبز من غير القمح قبل 10 الاف سنة قبل الميلاد بفضل وجود حبة الكموت المشابهة لحبة الارز الاميركي تماما.
ويرى الشيف سمور " ان العرب بشكل خاص يعتبرون من الشعوب الاكثر استهلاكا للخبز ويعتبرون وجوده على المائدة من الضرورات الاساسية".
ويطلق على الخبز اسماء مختلفة كالعيش، والنعمة، والى وقت قريب ما زال من يجد كسرة خبز ملقاة في مكان غير لائق بها يقبّلها ويضعها في مكان اخر , وكما يحضر الخبز على المائدة، فانه حاضر بقوة في الامثال الشعبية التي ابدعها الانسان بناء على تجربة مفرحة او محزنة تركت الاثر العميق في حياته.
فهناك مثل شعبي مثل: خبز طابون ومية ديار وبدهم اغماس، ويضرب هذا المثل كناية عن الاعتزاز بالموجود والمتوفر، وخبز مخبوز وميه بالكوز، وخبز وميه عافية مخفية الذي يدعو الى الرضا بالقليل , والخبز الحاف يعرض الاكتاف بمعنى ان الشيء العادي او البسيط قد يكون فيه فائدة كبيرة .
نشر في:
صحيفة الغد
صحيفة السبيل
موقع عين
شبكة اخبار العرب
نشر في:
صحيفة الغد
صحيفة السبيل
موقع عين
شبكة اخبار العرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفنعم هذا العيش الجميل يذكرنا ببلدنا بالأرياف
موضوع جميل أشكرك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفجزاكم الله خيرا لهذه التدوينة المفيدة
شكرا لكم على المرور.. اتمنى منكم المتابعة، واهلا بكم دائما.
ردحذفتدوينه رائعه اخى
ردحذفمشكور على الطرح الرائع تقبل منى خالص تحياتى
اشكرك علي هذا المجهود الرائع وننتظر المزيد منك انشاءالله
ردحذفوشكرا
موضوع رائع جدا
ردحذفشكرا لكم